تاريخ الاصدار : 1995
متوفر في نسخة رقمية
يأتي هذا الكتاب كدراسة متخصصة ينطلق فيها المؤلف من قاعدة أساسية هي الوسطية أو التعادلية المحسوبة بين الزمان والمكان، فلا هي تقدس الماضي على حساب الحاضر والمستقبل، ولا تسقط حضارة المجتمع لحساب الحاضر والمستقبل، إنه كتاب يدرس القديم لفهمه ويستخلص ثوابته ليشكل بها المؤلف مصادر معرفة المجتمع وبناؤه العقلي، وينطلق لإرساء حضارتنا ضمن المشروع الحضاري الذي نرجوه ونرسم معالمه. وانطلاقا من مبدأ الانطلاق من حيث انتهى الآخرون كانت رؤية المؤلف في التواصل مع ما أنتهى إليه أبن خلدون ونظرياته العمرانية وهي شاملة لتاريخنا وعمران مجتمعاتنا، فالكتاب إعادة قراءة القوانين العمرانية كما نظر لها أبن خلدون وإدراك العبر منها لتكون هي الاستمرارية المنطقية التي انقطعت أو كادت تنقطع حتى يستوعب المجتمع هذه القوانين والعبر في إطار زماننا الواقع أو الحادث
ويرى المؤلف إنه تتصارع في المجتمعات العربية والإسلامية قوتان حول إشكالية السابق باللاحق:
القوى الأولى: التقليديون – أو السلفيون والرجعيون – الذين عبروا عن إيمانهم المطلق بشرعية الماضي واعتباره دليلا مادياً للحاضر والمستقبل.. وهم بذلك ينأون بأنفسهم عن مشاكل الحاضر المستحدثة، ويسقطون إشكالية الزمان مكتفين بتجربة السلف، مغلقين باب الاجتهاد عصب ومجور مشروعنا الحضاري الاسلامي.
القوى الثانية: المستقبليون – أو التقدميون – الذين يسقطون الماضي وتسقط معه أصالة المجتمعات وموروثاتها وتقاليدها، وطمس معالمها والبدء من نقطة الصفر، ويبتعدون بذلك مكانياً عن أمتهم ويسقط عندهم المشروع الحضاري للأمة الإسلامية بالكامل.
لذلك فإن كلا من القوتين لا يتعامل مع المجتمع بمشاكله وآماله وتطلعاته، ولا مع المجتمع بحضارته وتاريخه وكيانه ووجوده.
وهذا الكتاب يدرس القديم لفهمه واستخلاص ثوابته لنشكل بها مصادر معرفتنا ونبني عليها أفكارنا وسلوكيتنا العقلية لحل مشاكلنا الآنية، وننطلق من كل ذلك لبناء حضارتنا ضمن إطار مشروع حضاري نرسم معالمه بما يتفق وعقائدنا وانتمائنا إلى مجتمعنا وتاريخنا وثقافتنا. والعمران هنا في مفهومه الشامل يعبر تعبيراً واضحاً عن هذا المشروع في كل حالاته ومراحله من تقدم ورقى، أو من تخلف وانتكاس، وابن خلدون يدعوننا إلى النظر إلى العمران في شموليته لنستقرأ فيه القانون (أو القوانين) الأبدية في تمييز الحق من الباطل.. لقد حاول ابن خلدون استنباط تلك القوانين أو العوارض الذاتية، وصياغة النظرية حول اشكالية العمران والدولة وتطورهما ودورتهما التاريخية في الماضي التاريخي.. والحاضر الواقع.. والمستقبل المنتظر.. وفى ذلك ايجاد للتوازن المطلوب بين الزمان والمكان للمجتمع الإنساني عامة والمجتمع العربي الإسلامي خاصة.
ويأتي الكتاب بسرد وتحليل لست مقدمات إلى العمران والدولة في الفكر الخلدوني، وهي إشكاليات كل من التراث والحضارة والخلدونية والحداثة ثم إشكالية النظرية وإشكالية المدينة وهنا يخرج المؤلف محققاً لقوانين أبن خلدون العمرانية ومعاصرتها وشموليتها، واستمراريتها في إطار عصرنا الواقع أو الحادث لمجتمعنا العربي والإسلامي، وينتهي الكتاب بصياغة النظرية بمحوريها الدولة والمدينة وملائمتها المعاصرة.. فتكون مقدمة ابن خلدون ونظريته حول العمران والدولة درس للعقل من العقل وعبرة من التاريخ للتاريخ.. إنها خطاب من الماضي إلى المستقبل فهي
النظرية العمرانية في العبر الخلدونية
طــــارق والى
10 أغسطس 1995