المنظمون : مركز طارق والي العمارة والتراث بالتعاون مع لجنة العمارة بالمجلس الأعلى للثقافة
المجلس الأعلى للثقافة - القاهرة - مصر
البجوات ترنيمة معمارية تناغمت ألحانها مع الايقاعات الصحراوية التي نشأت فيها، وهي متفردة في خصوصيتها الذاتية.
قامت قرية البجوات في قلب صحراء غرب الوادي، بواحة الخارجة، على بعد مئات الكيلومترات من الوادي نفسه.
انهم يعتقدون أن البجوات، قرية للموتى والزهاد في الحياة، المتطلعين الى العالم الآخر. فرضية تدل عليها الشواهد، ولكن تبقى للبجوات مظاهرها الحياتية العمرانية.. قرية جنائزية في مظهرها.. عامرة بالحياة الابدية في جوهرها..
يصعب تحديد تاريخ هجرة المصريين الأقباط الفارين من اضطهاد الرومان.. واستيطان البجوات والغالب انه بدأ في منتصف القرن الثاني الميلادي
واستمر عمرانها حتى القرن السابع الميلادي عندما دمرت مدينة الخارجة، فكانت الهجرة من البجوات، وانتكاس عمرانها ليصل الينا منها اليوم اطلال لعمائر، تشير الى قدرة الانسان المبدع، على البقاء بإرادته وفطرته..
وتقع البجوات عند نهاية سفح هضبة جبل الطير، على مساحة لا تتعدى خمسمائة متر طولا، ومئتا متر عرضا، وما تبقى من عمرانها على مدى خمسمائة عام، هو حوالي 263 وحدة متنوعة الانماط..
انماط تشكلها المنظومة الاساسية المعبرة عن الانسان المصري، في ابداعه لعمارته، المنسجمة مع ذاته وبيئته، والمرتبطة بزمانه ومكانه.. اساسها الفكر والعقل، وجوهرها الخيال والوجدان..
تتوسط الكنيسة التشكيل العمراني للبجوات، وتجتمع حولها العمائر الجنائزية على اختلاف انماطها..
الهيكل العمراني العام للقرية وعمارتها يجتمع ويتوحد.. الكل عند الواحد.. ينتظم الكل ليعزف نفس اللحن ضمن السيمفونية نفسها..
بنيت تنويعات قرية البجوات من نفس قالب الطوب.. من نفس المادة لتعطي صورا مخالفة تجمعها روح الواحد.. ومبدأ التوحيد
يمكن ان نسمع ونرى في ترنيمة البجوات نسقين اساسيين:
الأول: النسق الفراغي والتصميمي.. الجوهر..
والثاني: النسق التشكيلي والبنائي.. الصدف..
ان غالبية العمائر الجنائزية في البجوات تتبع هذا النمط التصميمي البسيط، ذو التشكيل المربع وأحيانا المستطيل..
ويصعب تحديد طبيعة انشاء الاسقف لتلك الوحدات وان دلت الاطلال على استعمال الاسقف الخشبية المسطحة..
تنتشر عمائر هذا النمط على امتداد التشكيل العمراني، بل ان هذا النمط من العمائر اعطى للقرية طابعها المعماري المميز واكتسبت منه تسميتها "البجوات"
عدد العمائر الجنائزية من هذا النمط 112 وحدة، يتقدم البعض منها احواش سماوية مفتوحة، تتوافر فيها التعابير والرموز، بين الفراغ المفتوح للسماء، والفراغ المسقوف بقبة..
والقبة في جوهرها رمزية للسماء.. انها تعبيرات كونية ارتبط فيها ومن خلالها الحرفي المبدع ببيئته وعقيدته..
بالرغم من ندرة ما بقي لنا من عمائر هذا النمط الا ان ما وصل الينا فيه كل الدلالة على استكمال وجهي المنظومة الهندسية لعمارة الطوب..
يجمع هذا النمط بين الانماط المختلفة في جملة معمارية واحدة.. تمثل مرحلة تصميمة متطورة في عمارة البجوات.
وتشهد تلك النماذج، على قدرة المعماري المبدع، على تطوير مفرداته المعمارية، وتشكيل وتركيب جمل، ومنظومات جديدة، ومتجددة، دون ان تفقد تناغمها مع الكل.
يتفرد هذا النمط بصغر حجمه وأبعاده الانسانية.. وكأن الانسان هو المسيطر على الفراغ الكوني فوقه قبة السماء..
انها ارادة الانسان في سيطرته على الكون قبل ان تكون فطرته في عمارة الكون.. او هي الاثنان معا..