تاريخ الاصدار : 1993
متوفر في نسخة مطبوعة محدودة ونسخة رقمية
إن أول الأسباب التي دعت الإنسان إلى تشكيل وإبداع عمارة هو حاجته للمأوى حماية من الطبيعية، فكان المسكن أول عمل معماري، وكانت تلك أول المؤثرات في تكوين الفكرة المعمارية للمسكن ... ولكن، إذا كان هذا هو المنطلق الوحيد، فلماذا اختار الإنسان أن يعيش "ويسكن" في كهوف صنعتها الطبيعة، بل إنها في بطن الطبيعة ذاته، والتفسير العقلي هو ذلك التشابه بين قوة احتواء هذه الكهوف في بطن الطبيعة وبين رحم الأم حيث تولد الإنسانية في كل لحظة من الأزل إلى الأبد. والخروج من رحم الأرض يشابه ميلاد الطفل والخروج إلى النور، فالطفل يجد الراحة والسكينة في رحم أمه، ولكن هذا لا يمنع عملية الميلاد. وهكذا قد يجد الإنسان الراحة في كهفه ولكن لا بد من خروجه إلى النور ليمارس حياته..
فالطفل لا يستطيع أن يمنع ميلاده.. كما أن الأم لا تستطيع إلا أن تهب هذا الميلاد.
فالإنسان يبغى من وراء هذا الرحم الجديد الوحدة التي فقدها بميلاده..
ولم تقف احتياجات الإنسان عند حد معين.. ومع عملية الإبداع الفراغي للمسكن، كان على الإنسان أن يختار ليس مجرد التفكير النفسي واحتياجاته للحماية أو الاتزان الداخلي، ولكن كان عليه أن يعبر عن هذا المضمون بإبداع تشكيلات تعبر عن تلك الدوافع الباطنية عنده ليصل إلى وحدة الشكل والمضمون. وهنا يحدد المؤلف ماهية المسكن وعمارته الأولى في: " أنه فراغ إنساني تحكمه وتحدد شكله انفعالات الإنسان الداخلية الشعورية واللاشعورية ".
دأب الإنسان على تطوير فكرة مسكنه عاكساً تأثيرات اجتماعية مختلفة نمت وتطورت مع تطور علاقاته الاجتماعية وتكون العائلة التي أصبحت الحجر الأساسي في كل مجتمع والمحور الذي تتصل به شبكة العلاقات الاجتماعية في هذا المجتمع.. كما اختلفت طبيعة تكوين هذه الشبكة ونسبة قوى العلاقات التي تحتويها من مجتمع لآخر ومن فترة زمنية لآخري في المجتمع نفسه متأثرة بالتطور الذي يخضع له ذلك المجتمع نتيجة، منها اعتناقه للأديان والمعتقدات، ومنها المؤثرات الحضارية التي تحدث نتيجة لتفاعل ذلك المجتمع مع مجتمعات أخرى ذات خلفيات حضارية مختلفة. وقد تطورت حياة الإنسان مع تطور الحضارات، وتغيرت وانقلبت ابداعاته الحضارية في كافة المجالات والميادين حسب انتمائه الثقافي والحضاري، ولكن ظل المبدأ الأساسي لتشكيل المسكن عنده هو الوصول إلى الأمن والاتزان الداخلي واستمرت عمارة المسكن مع تغير تشكيلاتها تسعى لتحقيق هذه الغاية.
ويهدف المؤلف من هذا الكتاب ليس تحليل القيم التي قامت عليها عمارة المساكن، ولكن يبحث ويقدم المبدأ الأساسي لتشكيل المسكن مع اختلاف البيئات والثقافات وتداول الحضارات ويرى المؤلف إنه من هذا النهج أبدع الإنسان فكرة الحوش أو الصحن أو الفناء الداخلي كظاهرة معمارية واكبت الحضارة الإنسانية منذ بدايتها وحتى الآن، وقد لا تكون الحل الوحيد المحقق لهذا النهج الإنساني، ولكنها بالتأكيد الحل الأمثل له. ويقدم الكتاب قراءة لهذا النهج ما بين المورث من عمارة السلف وامكانية الصياغة للتجربة والنهج بذات القانون في صورة مختلفة لعمارة اليوم من خلال تصميمات وتجارب معمارية للمؤلف في البحرين تم تنفيذها في ممارسته المعمارية.
وعندها حققت فكرة الحوش نهج البواطن في عمارة المساكن.
طــــارق والى
10 أغسطس 1992
يمكنكم اقتناء نسخة من الكتاب من خلال